انضم إلى "الطحاطيح" !!
بدأت كتابة هذه الصفحة على الجوال .. ولأول مرة .. العادة أنني أكتب أفكاري .. لكن هذه المرة "مسكت معي غلط" فكتبت وأنا في زحمة الطريق .. - والسووق خويي يسولف لي يحسب أني معه وأنا هنا معكم !_..
والجوال – أحسن الله إليكم – جهاز بدأ مع العالم في نهاية السبعينات الميلادية ونال رخصة تشغيلة في ولاية إيلينوي الأمريكية في بداية الثمانينات إلى أن أصبح شائعا في العالم "الأول" في نهاية الثمانينات إلى بداية التسعينات .. أما عندنا فقد وصل في منتصف التسعينات وتطور وتميز إلى أن أصبح اليوم أداة ضروية وجزء من حياة الناس في المجتمع المتحضر..
أول ما جاءنا الجوال كان بأسعار خيالية .. اشتراه "بابا" ومعاصروه بعشرة آلاف ريال .. ريال ينطح ريالا .. وبتسعيرة خيالية .. كانت الدقيقة فيها بريالين أو أقل قليلا .. ومن يحمل جوالا في تلك الأيام .. كان يعد من الطبقة الراقية اللي عندهم عشرة آلاف ريال .. أيام الطفرة – وأعني بالطفرة هنا طفرانين ما عندهم فلوس عشان ما يطلع لي واحد ويقول الطفرة معناها الزيادة .. لأنه هذا كان زمان – المهم تجد أحدهم يحمل جواله الثقيل في كل مكان .. واللي عنده فلوس يوظف سكرتيرا لحمل الجوال والإجابة على الاتصالات المحدووودة جدا ..
وكنت ومن عاصرني من الشباب نبحث عن أي فرصة للخروج بجوالات آبائنا مدعين النسيان أو نفعل كما كان يفعل جارنا عائض إذ كان يتصل ببيتهم – ببراءة- ونحن واقفون معه على عتبة الباب!!
أما صاحبنا المدلل فكان يشخص بجوال والده في العصرية مستغلا قيلولة الوالد اليومية وكثيرا ما اتصلنا بجواله على بيوتنا نسأل أمهاتنا إذا كن بحاجة إلى شيء من "الدكان"..
وجاء الجيل التالي جيل جوال الثلاثة آلاف ونصف وهم جيل المتوسطون .. أو المحدودي الدخل .. ويا ويلك لا صار رقمك يبدأ بـ054 لأنك حينها ستصنف من أدعياء الثروة أصحاب الـ055 "الطحاطيح" الذين يملكون كل مقومات النجاح في ذلك العصر فهم صفوة الصفوة..
وحين نزلت أسعار الاشتراك في الهواتف المحمولة إلى ألف وخمسمائة ريال تسابق ذوي الدخل المحدود إلى اقتنائه، وبحث "المساكين" منهم عن واسطة تضمن لهم رقما مميزا وبالطبع فإن معيار التميز في تلك المرحلة كان لا يتجاوز الحصول على رقم يبدأ بـ 055 المميز ..
بعد ذلك أصبح كل واحد يحمل جوالا .. سواء كان يعني ذلك أنه ثري أو أنه "واصل" أو أنه "طفران" أو أن نصف راتبه سيذهب في الاتصالات "الفاضية" .. إلا أن معه جوال .. ويكفيه ذلك فخرا ..
أعرف من العلماء من لم يقتن جوالا في حياته حتى اللحظة، ومن المسؤولين من يدعو على من أهدى إليه جوالا.. لأن الجوال أدخلنا إلى مرحلة من مواجهات المتطفلين التي لا فرار عنها خاصة في تلك المرحلة..
في مدرستي المتوسطة كان زملائي في الحي – الشبه ارستقراطي- يحضر جواله إلى المدرسة كل صباح ويقضي الحصص يلعب لعبة "الثعبان الجائع" ومرة من المرات " انقفط" لأنه لم يستطع السيطرة على انفعالاته جراء خسارته في اللعبة بعد أن وصل إلى مرحلة متقدمة ثم "عض ذيله" فصرخ من خيبة أمله ، أيامها كان الضرب لا يزال مسموحا به في المدارس فأكل صاحبنا علقة ساخنة .. ولو لقيته اليوم لأخبرته أنني لم أعرف في حياتي أحدا ختم لعبة "الثعبان الجائع" غيره..
وبدأت الجوالات تصغر و"تسخف" لتصبح أصغر و"أسخف"- ولا أعني هنا السخافة ولكنني أعني النحول والرقة والرشاقة - .
الحاصل أن الجوال أصبح "ضرورة" عند الكثيرين .. البعض يمرض حين يفصل جواله .. وآخر يقترض لإصلاحه أو لتغييره على الموضة ..
وعندي مشكلة مع هذه الأصناف من الناس خاصة مع الصنف الأخير جدا لأنهم فعلا مثيرون للشفقة .. الواحد منهم لا يكاد يمضي يومين بنفس الجوال .. وكأنه يعمل في السوق فيرى كل جديد فيأخذه ثم يبيعه بعدها بأيام بنصف ثمنه أو بالثلثين إن كان "شاطرا" لكنه في النهاية يعيد الكرة بالجوال الجديد ..
أحدهم اشترى جوال فيه ميزات : التسجيل، والتصوير، والرسائل الملونة والصور والإنترنت .. وتجد أنه لا يعرف كيف يستخدم أيا من هذه الميزات .. بل يحتاج إلى مساعدة في تخزين رقم هاتف أو إرسال رسالة قصيرة .. طيب يا ابن الناس ليش الزحمة .. اشتر جوالا جديدا "كرت" بمائة وخمسين ريالا فقط وستكتشف اكتشافا عجيبا .. أنه يكلم بالضبط بنفس جودة الجوال "أبو ألفين" إن لم يكن أجود أحيانا ..
مشكلة أولئك .. المظاهر التي أهلكتهم .. و "الفلوس" التي أثقلت جيوبهم .. ويا عيني عليك يا أحمد السهيمي اللي ما تترك جوالك إلى أن يحين أجله وتنتهي به الحال إلى المقبرة .. أو أسوأ ..
تعليقات